و بدأت
المهمة .. !!
المتتبع
لتطورات الأحداث بسوريا قد يبقى مندهشا لسرعة القرارات التي باتت تطبق قبل أن تكتب
. ما أحدثه الرئيس الروسي من رجة و انحسار في شمولية ما يجري أمر عصيب الفهم.
من كان يعتقد أن هذا يجري في أوج أزمة باتت على الأرض
منتهية لسبق في الحسم و ترك المراقب بلا فهم
.
فطلبه من
وزيره للحربية كان محل تساؤل كبير عن الكيفية التي تم بها و الصدى الذي تركته بين
القوى المنافسة له . و لكن و التحاليل المتأخرة في فهم ما جرى قد تفيد في شيء ما .
و قبل
الحوصلة و مناقشة ما جرى تعال نذهب إلى بداية الأزمة التي أتت على الزرع و الضرع
في سوريا بعد تلك الانتفاضات التي تحولت إلى حرب كارثة أكلت الأخضر و اليابس معا
.و من كان وراءها..؟؟ و من المسؤول المباشر عنها ..؟؟
فملايين الأفراد صغارا و كبارا عجزة و كهولا
ساروا إلى حيث لا وجهة ليجدوا أنفسهم بلا مأوى . صحيح أن الحرب لها قوة تأثير و
بلا تدبير تزف بالإنسان إلى حيث لا يدري و لكن لنا أن نقف محللين لما حصل من ضياع
و هدم و تحطيم لكل حياة.من كان يتوقع إن الخراب يأخذ هذا المدى الهائل طبيعة و نفوسا..
من كان يتوقع أن سوريا تصبح بركان يقذف حمما إلى كل العالم..؟؟
من كان على يقين بأن سوريا تصبح محط كل إجرام الأرض
و بلا منازع في عصر يبكي الجميع دما على ما حصل من الفناء.
فلئن كانت الأوضاع
لسنوات مضت توحي بشيء من التساقط و قلة موارد و عيش نزر سببه اقتصاد بات لا يفي
بمتطلبات شعب وجهت له الضربة القاضية لشيء واحد و واحد فقط و من دون إفراط انه كان سببا في جلاء أمريكا و آلياتها
بعد أن ضاقت طعما مريرا من مقاومة لم تعرف عن اتجاهاتها شيئا . لأن الجميع كان له
هدف واحد و هو تحرير ارض الرافدين من عدوان غاشم حوّل البلاد و العباد إلى أشباح
لا تعرف لها وصفا..
و هنا جاءت
المخططات لترمي بأوزارها على بلد الشام فهو البلد الوحيد الذي وقف وقفة أبطال
ليكون القاعدة الخلفية في كل عملية تستهدف جنود"GIS" الذين لاقوا
مرارة التواجد على هذه الأرض. هذه الحقيقة كان لها أن تعاقب و بقسوة اشد و انكي ..
فبات التخطيط
مرعبا لإفراغ وطن من أهله مثلما حدث يوما لأرض فلسطين .. هذا المخطط الرهيب كان له
أيادي سوداء قدمت أموالا و سواعد لتبقى هي و من نسقها تكوينا و سياسة وحدها
الفاعلة على الأرض ..
و قد نسأل و
نقول وما دور روسيا و قد خرجت يوما من كل الصراعات بعد أن لاقت حتمية رضوخ و قبول
لواقع ؟؟. و لكن لكل الأزمنة رجال و أحوال فروسيا المنتكسة غما و شؤما بدأت تلملم أشلاءها
بعد أن مرت العاصفة و التي اقتلعت أشجار و سالت لها الجراح نزفا .. و المراقب لما
حصل بالشيشان و أفغانستان لذاك الدب القادم من صقيع سيبريا اكتوى نارا و خدشا فصار
ضعيفا لا يستطيع وقوفا ..
و جلاؤه من
العراق و تركه لعتاد و شركاء باتت تلهوا به صغار جنود أتى بهم البترودولار ليقضوا
على البقية الباقية من تراث و تعاضد كان يوما بين أبناء الوطن الواحد ومن غريم يعرفونه .. و لكن لطمع النفوس قهرا إن
سالت بين أضلاعها ومضات عيش رغيد كانت تحلم به يوما و هي المتعاملة صراحة الكائد
بواحا لتجني هنا و تبني هناك دورا و قصورا و ممتلكات لأبنائها و ترك ارض الأجداد
حيفاء لا تنبت ولا تدر لبنا ..
ثم تداعيات
المساومات الكبرى و التي امتدت إلى حدوده ومراقبة ما يجري بأرضه فباتت القرم ارض
لها جذور و أوتاد و أوكرانيا و بولروسيا و غيرها فروع زائدة يوجب استئصالها ليبقى
هيكل الدب فزاعة طروادة ..
و عان الروس
المتوزع على اكبر حصة من الأرض قصبة جوفاء لا تصلح عصا . وزاد الابتزاز و التطاول أكثر
فأكثر . و لولا قيادة صلبة خرجت من صلب هذه الأرض خلفا لقياصرة حكموا زمانا ما
بقيت روسيا الأرض إلا جليدا لا ينفع لا صيفا و لا شتاء .
و تغير الأحوال رويدا رويدا من زعامات قرأت جيد
المتطلبات و راحت تبني جدرانها من صلب حجر و حديد لأن الفضيحة قد تغدوا يوما شيئا
محققا بعد أن مرغ غوباتشوف سمعة امة دفعت 20 مليونا ثمنا حتى لا يبقى على الأرض
متغطرسا .
هذه الذاكرة التي بقت محفوظة لدى استخبارات
موسكو كانت الحافز القوي للنهوض من كبوة عثرة قد تتعرض كل الخلائق . و كانت
التجربة الأولى في التسرب عبر دهاليز مسارح سياسة تمكنت من فهم قوالبها .. فكان
الوقوف بجنب إيران أول عمل كيّست به فطنتها و أزالت غباء كان مختفيا ..
و جاءت
الحسابات موافية لبعضها فلا الحقل بخل و لا البيدر خسر . هذه التجربة الدبلوماسية
كانت لها أبعاد غائرة في فهم ما يجري . و التحرك إلى بعيد مسافة من دون تنبيه
العدو شيء له أساسياته و نجاحاته .
و قد عرف ما
عرف و كان لزاما أن تكون التجربة تحت ظلام و من دون إحداث صوت أو شوشرة حسب
المتعارف عليه لدى أبناء النيل العظيم .
و بيّت الأمر
بليل رحلت فيه مواكب و جنود و صد خطر كان قد يؤدي بالدب إلى خنق قاتل و فهمت الخطط بتوابعها فكان السبق
للدب المنتصر بعد مكايدة لم يتفطن لها لا آيل و لا جمل و كانت الحسابات دقيقة إلى
حدود قد تبهر يوما . فالمقاتل شد زناده و رمى بقوته فنال مبتغاه من دون ردة فعل .
و هذا ما خطط له و سرع في تنفيذه هجوما و صدا و جلاء من ارض تركت لأصحابها حتى لبا
تحسب القضية على أنها استعمار مدجن ..
و جاءت
المحافل لتلقي نظرة فإذا ما كان معتزما فعله حطاما لا قيام له .و قد يسأل الساسة أنفسهم
سؤال بات على فم الجميع .. ترى لماذا رحل الروس ؟؟
و الجواب يحمل إجابات .. و الفهم كذلك ..فهل
انتهت المهمة التي تحركت لها طائرات و سفن و رادارات و رجال استخبارات .. و هل ما جيء
من اجله غار أرضا أو تسرب بخارا.. و لكن هناك سؤال يعاكس هذا و هو هل بدأت المهمة
..؟؟ !!
نقول من باب الحصر نعم .. نعم بدأت و
بشروط تفي كل الراحة ..فمن يخطط لروسيا اليوم ليس غوباتشوف بل رجالات رجل مخابرات
اسمه بوتين خريج المدرسة الاستخبارية القديمة التي كانت سمعتها تعلو السماء ..
و قد نعطي للقارئ و المتسائل بعض الحوصلة
الصغيرة حتى لا يفقد خيط المسير .. أمريكا لم تعد وحدها المقرر فوق هذه الأرض .. و
أتباعها بما يكسبون آيلون إلى دحر .. انقلبت الطاولة و انصرف كل لاعب إلى حيث لا
يجد له مكانا .. إلا من عرف فنون لعب آخر و بأوراق و خطط أخرى .. القديم سار إلى
مثواه الأخير .. و الجديد هو الصواب في كل ما تعرفه الرؤوس الكبيرة ..
و ها هي الأيام تكسف لنا عن أحوال أخرى
..فالرحيل كان مخططا له قبل انطلاق أول فرقة طائرات و انتشار أول قاذفات بحرية من
بحر قزوين .. و هو اختبار هلكت له القوى المنافسة و كان مفعوله كسر تكتيكات أجرتها
أمريكا و حلف الناتو لخلق وضع يصعب حله و يصعب معه الاستنجاد بأي حليف يقهر دولة
صنعت من تحالف مال و قاذفات حولت مهمتها إلى إلقاء أسلحة عوض مقذوفات مدمرة .. و
لكن الغريم الذي تمركز بالقرب من قواعدهم كانت له حسابات فكما تريد غلق فكي المقصلة
على الآخرين فحاول أن تبعد رؤوسك المسددة إلى عمق تراب بلد لو زدت في التحرش به
فقيام حرب فانية ليس أمرا مستبعدا ..
و المهمة صارت على بداية أخرى و
بأسلوب آخر و وفق تكتيكات متغيرة لا تستطيع النيل من غريم عرف الأرض و عرف نوع
ساحة المعركة ..و قدوم وزير الحربية في زيارة خاطفة هي رسالة أخرى تفيد بأننا
باقون هنا إلى غاية فك كل المتاريس الموضوعة آنفا .. تلك هي المهمة الصعبة التي
تنتظر حكومة جديدة مقبلة عليها أمريكا ليكون التحرك وفق معطيات مستجدة .. و هنا
نسأل و نقول لما هذا التأخير .. و التأخير سياسة مبرمجة بها استنزاف لقوى على الأرض
متحاربة و تكون بعد فك الارتباط على حساب كل ما سكبت الفئات المتناحرة ..
الكاتب / عبد العزيز الأعلى